أخبارمؤتمرات وندوات

كلمة الأستاذ علاء شلبي .. رئيس مجلس أمناء المنظمة العربية لحقوق الإنسان … في أعمال ندوة تحديات الإغاثة الإنسانية في غزة … مكتبة الإسكندرية – 17 يناير/كانون ثان 2023

كلمة الأستاذ علاء شلبي
رئيس مجلس أمناء المنظمة العربية لحقوق الإنسان
في أعمال ندوة تحديات الإغاثة الإنسانية في غزة
مكتبة الإسكندرية 17 يناير/كانون ثان 2023
معالي الدكتور أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية
معالي الدكتور محمد العرابي وزير الخارجية الأسبق
سعادة الدكتور أحمد الشربيني مستشار مركز الدراسات الاستراتيجية
سعادة السفيرة هيفاء أبو غزالة الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية
سعادة الدكتور طلعت عبد القوي رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية
سعادة الدكتور محمد رفاعي الرئيس التنفيذي لمؤسسة مصر الخير
سعادة الدكتور أيمن الرقب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس
أصحاب السعادة السفراء وأعضاء مجلسي الشيوخ والنواب وأعضاء السلطة القضائية
زميلاتي وزملائي الموقرين ممثلي مؤسسات المجتمع المدني
السيدات والسادة الموقرين
وافر الشكر لمكتبة الإسكندرية ومركز الدراسات الاستراتيجية على تنظيم هذه الندوة في هذا التوقيت البالغ الأهمية، وعلى الدعوة الكريمة للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، مع هذه الكوكبة المتميزة وثرية التنوع.
وأخذاً في الاعتبار ما لموضوع الندوة “تحديات الإغاثة الإنسانية في غزة” من أهمية بعد أكثر من 100 يوم من بدء العدوان الإسرائيلي السادس منذ 2008 والأخطر منذ نكبة 1948، فمن المهم أن نشير بوضوح إلى الأهمية البالغة لتوفير المساعدات الإنسانية للمنكوبين بسبب العدوان في قطاع غزة المحتل، خاصة مع السعي المعلن للاحتلال الإسرائيلي للحيلولة دون وصولها، أو على الأقل للحد منها ضمن سبل إنجاز حملته الانتقامية، وكأحد الأدوات لتنفيذ مخططه في تفريغ القطاع من سكانه لتصفية القضية الفلسطينية وتقويض الحقوق التي قررها القانون الدولي للشعب الفلسطيني.
وهنا يجب أن نشير إلى مبادئ القانون الإنساني الدولي والتي تولي الأهمية لإعمال مبدأي الضرورة والتناسب في الأعمال الحربية. ونشير على وجه الخصوص لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949 التي توفر الحماية للمدنيين وقت الحرب وتحت الاحتلال، والتي تحظر العقاب الجماعي بموجب المادة رقم 33 والتي تتضمن أنه: “لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصياً .. و .. تحظر العقوبات الجماعية وبالمثل جميع تدابير التهديد أو الإرهاب”، كما تحظر أيضاً “تدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم”.
فيما تُجرم المادة 49 من الاتفاقية التهجير القسري للسكان داخل أو خارج الإقليم المحتل، حيث تنص على: “يُحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أياً كانت دواعيه”، كما تنص أيضاً على: “لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها”.
ومن المهم أن ينبني فهمنا المشترك للقيود المتواصلة على تدفق الإغاثة إلى السكان في قطاع غزة في ضوء رغبة الاحتلال في تحقيق هاتين الغايتين: الانتقام والتهجير القسري.
والقانون الإنساني الدولي ليس نوعاً من الترف يمكن تجاهله ونبذه، بل هو التزام قطعي شديد الوضوح، حيث يعمل على ضمان حماية المدنيين في اتفاقية جنيف الرابعة كما أشرنا، ويضع توفير المساعدات والإغاثة للمنكوبين في قلب الالتزامات الجوهرية التي يشكل خرقها جريمة حرب تستوجب المساءلة والمحاسبة.
حيث تحظر المادة 23 من الاتفاقية نفسها فرض قيود على مواد الإغاثة الصحية، حيث تضمن “.. حرية مرور جميع رسالات الأدوية والمهمات الطبية ومستلزمات العبادة المرسلة حصراً إلى السكان المدنيين، حتى لو كانت دولتهم خصماً. والالتزام بالترخيص بحرية مرور أي رسالات من الأغذية الضرورية، والملابس، والمقويات المخصصة للأطفال دون الخامسة عشرة من العمر، والنساء الحوامل أو النفاس”.
كما تقضي المادة 59 من الاتفاقية نفسها بأنه: “إذا كان كل سكان الأراضي المحتلة أو قسم منهم تنقصهم المؤن الكافية، وجب على دولة الاحتلال أن تسمح بعمليات الإغاثة لمصلحة هؤلاء السكان وتوفر لها التسهيلات….”، و”تتكون هذه العمليات التي يمكن أن تقوم بها دول أو هيئة إنسانية غير متحيزة كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، على الأخص من رسالات الأغذية والإمدادات الطبية والملابس”.
وتقرر المادة أيضاً أمراً بالغ الأهمية، حيث تقرر المادة بأنه “على جميع الدول المتعاقدة أن ترخص بمرور هذه الرسالات بحرية وأن تكفل لها الحماية”، وهو ما يضع التزاماً على كاهل كافة الدول الأطراف في الاتفاقية سواء دول الجوار أو غيرها.
ويشكل تقييد المساعدات الإغاثية عملاً منهجياً تنفذه سلطات الاحتلال على الأرض وتؤيد وقوعه التقارير الأممية، فضلاً عن التصريحات شديدة الوضوح لمسئولي الاحتلال، وتُعد معها القيود على المساعدات أحد الأفعال المنهجية المعتمدة لسلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي لتدمير وإهلاك السكان الفلسطينيين في قطاع غزة، ما يوفر ركناً جوهرياً في ارتكاب الاحتلال لجريمة الإبادة الجماعية بحق سكان القطاع، وفقاً لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها 1949، ووفقا لنص المادة (6) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
السيدات والسادة الموقرين
كما أن إزدواجية المعايير قد باتت حقيقة مؤكدة يجب مكافحتها في السياسة الدولية، فإن اللامساواة في توفير المساعدات عندما يتعلق الأمر بالضحايا المنكوبين من المدنيين المحميين بسبب نزاعات مسلحة دولية فهو بكل تأكيد تقويض لجوهر القانون الدولي، ويعد جريمة لا يمكن القبول بها ويجب العمل على مواجهتها بكافة السبل.
وبينما نرى أنه من الواجب أن نتوجه بالشكر لموقف الأمين العام للأمم المتحدة على جهوده ومواقفه الشجاعة والتي تحفظ ما تبقى للنظام الدولي من وجاهة، وتعاطفنا مع أكبر موجة لمقتل موظفي الأمم المتحدة في تاريخها، لكن لا يجب أن نُغفل رصد بعض الفجوات التي نُوقن أنها تُعيق الالتزام بتوفير ووصول المساعدات.
نتفهم اعتبارات الأمن والسلامة لموظفي وكالات الأمم المتحدة، والتي تعد أحد معايير عملها، غير أن الاعتبارات الأمنية لا يجب أن تقف حائلاً دون وصول المساعدات في شمال قطاع غزة حيث يقاوم ما بين 300 ألف إلى 400 ألف مدني فلسطيني جريمة التهجير، لأن الاستسلام أمام العوائق التي يضعها الاحتلال سيكون مساهمة – ولو على نحو غير مباشر في جريمة التهجير القسري وغيرها من جرائم الحرب وجريمة الإبادة التي يرتكبها الاحتلال.
كما نعتقد أنه من واجبات وكالات الأمم المتحدة الإنسانية أن تبادر إلى التصدي للاتهامات الزائفة التي تهدف لإثارة الالتباسات حول الجهود المبذولة لتيسير تدفق المساعدات، ومنها على سبيل المثال – وليس الحصر – تقديم الإيضاحات العلنية حول أكاذيب الفريق القانوني الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية في 12 يناير/كانون ثان الجاري للتنصل من القيود التي يفرضها الاحتلال على تدفق المساعدات عبر معبر رفح، أخذاً في الاعتبار إشادة مجلس الأمن بالدور المحوري الذي تلعبه مصر لضمان تدفق المساعدات.
السيدات والسادة الموقرين
تتفق خبرة التجارب على ما تمثله ذروة فصل الشتاء من مخاطر إضافية تعني مفاقمة معاناة الضحايا، لا سيما في ظل فقدان أكثر من مليون فلسطيني للمأوى وما يرتبط به من خدمات ضرورية للمحافظة على الحياة، وبقاء نحو 600 ألف آخرين في ضيافة ما تبقى من أسقف مساكن قليلة في خان يونس ورفح.
ونُوقن أن يجب علينا طرق كل الأبواب والعمل عبر كل المنافذ والقنوات المتاحة لوقف العدوان وتدفق المساعدات، ولقد سعت المنظمة العربية لحقوق الإنسان ومنذ اليوم الأول للعدوان على الدعوة لتوفير الحماية الدولية للمدنيين الفلسطينيين، والتحذير في اليوم الثالث للعدوان من مخطط تهجير سكان القطاع قسرياً نحو مصر، والتأكيد في اليوم السادس على اكتمال أركان جريمة الإبادة الجماعية بحق سكان القطاع بعد تنفيذ واتضاح تأثيرات تدابير وقف سبل الحياة من مياه وغذاء ودواء ووقود، والدعوة في اليوم العشرين لإعلان قطاع غزة منطقة منكوبة على نحو يؤسس الالتزام لتدفق المساعدات ووصول فرق الإغاثة وفرق الدفاع المدني لانتشال الجثامين من تحت الأنقاض، فضلاً عن التحركات الموازية لملاحقة الجناة، سواء أمام المحكمة الجنائية الدولية، أو عبر توفير ما تيسر من معلومات تم توثيقها وتدقيقها ميدانياً للجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان، وكذا عبر اتصالات ولقاءات متعددة مع مسئولي الأمم المتحدة ومؤسساتها المعنية بالعمل الإنساني.
وبعد صدور قراري مجلس الأمن 2712 و2720 ليمنحا العمل من أجل توفير المساعدات متنفساً لتوفير المساعدات المنقذة للحياة، يحدونا بعض الأمل، خاصة بعد استجابة مجلس الأمن لإصرار جمهورية مصر العربية على أن يتضمن القرار 2720 النص على تأسيس آلية أممية لرصد وتنسيق وتيسير وصول المساعدات الإنسانية، وأن ينص القرار على فتح كافة منافذ القطاع الستة التي تخضع لسيطرة الاحتلال لتدفق المساعدات بحكم مسئوليات الاحتلال بموجب القانون الدولي، بالإضافة إلى ما توفره مصر عبر معبر رفح الحدودي.
كما نُوقن بأن الدعوى الشجاعة لجمهورية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية كان لها أثرها المهم في موافقة الاحتلال على دخول بعثة أممية لمناطق شمال القطاع المحتل لتقييم الاحتياجات، خاصة مع التطلع لقرارات المحكمة التمهيدية في المدى المنظور، وأهمها وقف العدوان ودخول المساعدات وعودة النازحين.
وفي الختام، تجدر الإشارة إلى ضرورة التوصل بشكل عاجل إلى خطة عمل إنسانية، تأخذ ضمن أولوياتها توفير بدائل عاجلة لما جرى تدميره من مساكن ومن بنية تحتية أساسية، خاصة في غياب المأوى والخدمات الجوهرية للصحة والنظافة والسلامة من الأوبئة. وأن يتم زيادة تدفق المساعدات حيث فرض العدوان احتياجات مضاعفة تستدعي دخول ما لا يقل عن 1300 شاحنة يومياً لفترة لا تقل عن شهرين متتابعين.
* * *

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى