التعريف

35 عاماً على ميلاد المنظمة العربية لحقوق الإنسان

35 عاماً على ميلاد المنظمة العربية لحقوق الإنسان

جريدة الوطن

أ. علاء شلبي

بينما يحتفل العالم بالذكرى السبعين للإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى 10 ديسمبر من كل عام، يحتفل الحقوقيون العرب بميلاد المنظمة العربية لحقوق الإنسان فى 12 ديسمبر 1983، وهو الميلاد الذى شهد صعوبات كبيرة، فلم يسع الداعون لتأسيس المنظمة أن يجتمعوا فى أى بلد عربى لنحو سبع سنوات متتابعة، وشكل مؤتمر لمناقشة «أزمة الديمقراطية فى الوطن العربى» عقده مركز دراسات الوحدة العربية فى بلدة ليماسول بقبرص الفرصة لأصحاب المبادرة لعقد الاجتماع التأسيسى وإعلان تأسيس المنظمة.

كان القرار الجماعى للمؤسسين بأن تتخذ المنظمة مقراً إقليمياً لها انطلاقاً من العاصمة المصرية القاهرة، لما سيكون له من أثر إيجابى فى تحقيق متطلبات الانتشار والتأثير، وتمحورت فلسفتهم الأساسية حول بناء مؤسسة نابعة من داخل البيت العربى للعمل على حماية حقوق الإنسان ونشر ثقافتها وفق رؤى عربية، تجمع بين اعتماد وتبنى المعايير الدولية لحقوق الإنسان وبين استلهام الإبداع الثقافى الإيجابى للحضارة العربية عبر التاريخ.

ورغم اتفاق مختلف الدراسات الأكاديمية العربية والعالمية التى جاوز عددها المائة على الإسهام الكبير للمنظمة فى ميلاد حركة حقوق الإنسان فى المنطقة، خاصة تأسيس فروع ومنظمات عضوة تعمل على المستويات القطرية فى كل بلد عربى، وبالتالى وضع الأسس لحركة جادة ذات طبيعة جماهيرية، إلا أن الإسهام الأكبر للمنظمة تمثل فى سد الفجوة بين العالمية والخصوصية.

فلا تزال أصوات عابثة تعمل للنيل من جهود منظمات حقوق الإنسان بدعوى الخصوصية، وباعتبار أن معايير حقوق الإنسان هى صناعة غربية تستغلها الدول الكبرى لإضعاف استقلال وسيادة الدول العربية.

وللأسف لا تزال هذه الأصوات العابثة تلقى الاهتمام، خاصة فى دوائر السلطة والمؤسسات الدينية والإعلام، ويتناسى هؤلاء أنه لولا تدهور حقوق الإنسان وتخاذل الحكومات عن الوفاء بالتزاماتها لما تأثرت حقوق المواطنة على نحو مريع، ولما وصلت ستة بلدان عربية اليوم لحد اندثار الدولة وتفتتت وحدتها الجغرافية، ولما شاعت الفوضى واللا استقرار فى مختلف بلدان المنطقة.

إن الأصل فى الاضطراب وعدم الاستقرار يتمحور حول الشعور بالظلم الذى يتفاقم إذا استمر لوقت طويل وبات غير قابل للإصلاح والعلاج، ويمثل الانتقاص من حقوق الإنسان وضمان التمتع بها سبباً جوهرياً فى تفشى الشعور بالظلم.

ويتناقض الخطاب المعادى لحقوق الإنسان مع حقيقة أن 8 دول عربية من بين 48 دولة أعضاء فى الأمم المتحدة فى العام 1948 قد أسهمت عبر عام ونصف العام فى مداولات وضع ثم إقرار وتبنى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، كما أسهمت كافة البلدان العربية فى وضع وتبنى العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966، وكان للعرب مع حلفائهم من الدول النامية الدور المركزى تحديداً فى دعم إصدار الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصرى 1965.

أكثر من ذلك، فإن الحكومات العربية باعتبارها دولاً أعضاء فى الأمم المتحدة أسهمت عبر الجمعية العامة فى مراجعة وإصدار الاتفاقيات الدولية التسع للقانون الدولى لحقوق الإنسان وهى: العهدان الدوليان، اتفاقية القضاء على التمييز العنصرى، التعذيب، المرأة، الطفل، المهاجرون، ذوو الإعاقة، الاختفاء القسرى، كما أن غالبية الدول العربية قد انضمت لاحقاً لغالبية تلك الاتفاقيات رضاءً، وذلك عبر إجراءات التصديق على كل بند منها، وإيداع التصديقات، وممارسة الحق فى التحفظ على بعض البنود.

كما أن غالبية تلك البلدان تتفاعل بصور متنوعة مع التزاماتها بموجب انضمامها لهذه الاتفاقيات، وتقدم بموجبها التقارير الدورية، فضلاً عن الخضوع لمراجعة سجلها حول التزامها بكافة المعايير بموجب آلية الاستعراض الدورى الشامل، بل وتتنافس بكل جدية على عضوية مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة باعتباره الجهاز السياسى الأممى المختص بحقوق الإنسان.

أكثر من ذلك، اعتمدت 16 بلداً إنشاء مؤسسات وطنية لحقوق الإنسان، وتسعى بجد لتطوير قوانين إنشائها كى تنال الاعتماد الدولى للاعتراف باستقلالية تلك المؤسسات، وأنشأت العديد من الهياكل الحكومية فى وزارات الخارجية والداخلية والعدل، وفى بعض الأحيان أنشأ البعض وزارات متخصصة فى حقوق الإنسان، وتضم الأجهزة البرلمانية لجاناً مختصة بحقوق الإنسان.

وخلال 35 عاماً، ورغم صعوبات الاعتراف القانونى بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان لفترة بلغت 17 عاماً، إلا أنها وطوال مسيرتها تفاعلت مع مختلف الحكومات، ولقيت تدخلاتها وإجراءاتها تفاعلات مباشرة، لا يمكن إنكار أن الكثير من تفاعل الحكومات كان إيجابياً عبر إطلاق سراح الآلاف من المعتقلين والعفو عن المئات من المحكوم عليهم بالإعدام فى قضايا سياسية، ومعالجة الآلاف من الشكاوى الفردية والجماعية التى تتلقاها المنظمة بصورة يومية، ووفرت الدعم والإرشاد التقنى فى تجارب متعددة لعدد من البلدان.

غير أن مستوى الاستجابة لا يزال دون المأمول، ولا يدلل عليه أكثر من الوضع الراهن الذى باتت معه المنطقة تتصدر العالم فى أرقام اللاجئين والنازحين والبطالة بين الشباب والهجرة غير الشرعية، وقبل كل ذلك معدلات القتلى والجرحى من أثر النزاعات الداخلية المسلحة والإرهاب.

ومعالجة التردى الراهن المتزايد لوضعية حقوق الإنسان فى المنطقة ليست مهمة مستحيلة، لكنها ترتبط بأسباب الجهل وقلة إدراك مستوى صناعة القرار بحقوق الإنسان أكثر من ارتباطها بالنوايا السلبية لنظم الحكم.

إن سد هذه الفجوة من ضعف الوعى ونقص الإدراك يشكل أولوية فى اللحظة الراهنة من أجل عمل جاد وفعال بصفة عاجلة لضبط السياسات وفق معايير حقوق الإنسان، وهو أمر ممكن إذا ما تم إفساح المجال أمام حركة حقوق الإنسان العاملة فى الداخل العربى من أجل تبنى سياسات ملائمة تستجيب للهدف المأمول والمتمثل فى إعمال سليم وأمين لحقوق الإنسان على نحو يستجيب، ليس فقط للالتزامات الدولية، ولكن كذلك للثوابت والمصلحة الوطنية، وبالتالى فهو أداة مركزية فى سبيل النجاح فى معركة البقاء، ووسيلة ناجعة فى استعادة اللحمة الوطنية وتعزيز المواطنة وتقوية التماسك الاجتماعى والسلم الأهلى.

كان ممكناً لأبناء هذه المنطقة من الحقوقيين أن يقدموا إسهامات أكبر بالمعنيين الكمى والنوعى لولا ضغوط شديدة تعرضوا لها، ولذا فمن الأولويات فى بدء صفحة جديدة أن يتمكن الحقوقيون من النهوض بمهامهم، وأن يتم التشاور معهم فى أية توجهات تشريعية وسياسية مقبلة على نحو يضمن وقف الاستنزاف الحالى.

إن تبنى قيم الحرية والعدل والمساواة والإخاء هو السبيل لتحقيق مفهوم الكرامة الإنسانية الذى يعد الهدف المركزى لكل حقوق الإنسان، وهى قيم لا تختلف عليها ثقافة أو حضارة لطالما أسهمت لأكثر من 10 قرون فى نمو الحضارة الإنسانية، ووضع لبنات الجنوح للسلم وتوازن الحقوق وتحرير المرأة والعبيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى