جيل الرواد

أحمد صدقي الدجاني

أحمد صدقي الدجاني

 

كثيرون يعرفون الدكتور أحمد صدقي الدجاني المفكر الإسلامي والقومي اللامع، ونهلوا من عطائه الفكري الغزير عبر أكثر من أربعين كتاباً من مؤلفاته التي أثرت المكتبة العربية، والأكثر يعرفونه مناضلاً سياسياً شغل عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واعتلى كل منابر السياسة والفكر مدافعاً عن حقوق الشعب الفلسطيني وثوابته، ومواجهاً لعنصرية إسرائيل وجرائمها. وأكثر من هؤلاء وهؤلاء عرفوه علماً من أعلام الحركة العربية لحقوق الإنسان، انشغل بمعضلاتها الفكرية وسجالاتها، وعزف عن مسئولياتها التنظيمية حتى دفعه زملاؤه دفعاً لتولي مسئولية نائب رئيس مجلس أمناء المنظمة.

          لكن قليلين الذين كانوا يعرفون أحمد صدقي الدجاني الإنسان، فخلف بريقه الذي كان يدفع به دائماً إلى مقدمة الصفوف، كان يكمن إنسان مرهف الحس، شديد التواضع يتمثل كل ما يؤمن به. فطالما كان “مجمعياً” كان يتحدث الفصحى في حياته اليومية، وطالما عروبياً كان يتمثل تاريخ أمته، وفى جولاته المكوكية بين منابرها الفكرية من الخليج إلى المحيط كان يختلط على سامعيه أنه عاش كل عصور أمته بانكساراتها وانتصاراتها.

          وكان يؤمن بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ولم يصرفه انشغاله بكفاح شعبه الفلسطيني من أجل نيل حقوقه عن مناصرة قضايا حقوق الإنسان على مختلف الساحات العربية، وكثيراً ما كان يوظف علاقاته الواسعة على امتداد الوطن العربي في مساع للإفراج عن سجناء الضمير، أو السجناء السياسيين، أو توجيه الانتباه لما ينبغي أن يتم تصويبه من إجراءات. ولم يكن يتردد في أن ينفق أمسيات بكاملها للرد على الاستفسارات والمظالم التي تصله على بريده الشخصي.

          وكان فوق ذلك ذا بصيرة ثاقبة، يؤمن أن النصر ابن التصميم والإرادة، وأنه آت. وكان من ذلك الطراز من الرجال القادرين على نقل هذا الشعور إلى سامعيهم، ورغم تلك السنوات التي طالت منذ رحيله، لا زلت أشعر كلما مررت بسكنه بصوت جبران خليل جبران “ما هي إلا برهة… لحظة أخلد فيها إلى السكينة… ثم تحمل بي امرأة أخرى”.

*  *   *

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى