جيل الرواد

أ. محمد فائق

وكلمة وفاء أخرى من المنظمة العربية لحقوق الإنسان

محمد فائـق[*]

سياسي قومي بارز، وهب حياته للدفاع عن الحريات في ربوع وطنه العربي الكبير وخارجه، وحمل مشروع أمته للنهوض بحركة التحرر الوطني وأصبح رمز لهذه الحركة في أفريقيا.

عمل بالقرب من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وتحمل مسئوليات سياسية ووزارية عديدة خلال حياة الرئيس عبد الناصر، وقدم خلال مسئولياته كمستشار للشئون الأفريقية ثم الأفريقية الآسيوية واحدة من أهم إسهاماته في مقاومة الاستعمار والعنصرية وتأكيد حق تقرير المصير، وعقد صداقات مع زعماء حركة التحرر الوطني في العالم وزعماء حركة عدم الانحياز مثل نيلسون مانديلا، وكوامي نكروما، والسيدة أنديرا غاندي والسيدة باندرانيكا وفيدل كاسترو وأرنستو جيفارا، وقد أثرت حواراته مع هؤلاء الزعماء في تشكيل رؤيته العميقة لحركة التحرر الوطني العالمية.

تابع مسئولياته الوزارية في عهد الرئيس أنور السادات، لكن استقال في مايو 1971، احتجاجاً على التوجهات السياسية للرئيس السادات في معالجة إزالة أثار العدوان، ودفع ضريبة موقفه عشر سنوات من حياته وراء القضبان بناء على اتهام زائف بالمشاركة في محاولة لقلب نظام الحكم، وقرار جائر من محكمة استثنائية افتقدت لكل معايير العدالة. وكثيراً ما يتندر من مفارقة أن أي انقلابيين يستهدفون الوصول إلى السلطة، يبدءون بالسيطرة على وزارة الإعلام بينما كانت جريمته هي الخروج من وزارة الإعلام.

اشتهر بمواقفه النضالية الصلبة، ففي أعقاب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ارتدى زي الصيادين وانغمس في صفوف المقاومة الشعبية للاحتلال البريطاني لبورسعيد، وفى العام 1971 استقال من منصبه الوزاري احتجاجاً على سياسات النظام، وفى العام 1976، رفض قراراً من رئيس الجمهورية بالإفراج عنه من السجن مشروط باعتذار يقدمه لرئيس الجمهورية وعاد إلى محبسه خمسة أعوام أخرى حتى لا يعتذر عن جريمة لم يرتكبها مجسداً معنى الكرامة الإنسانية، وقد تم اعتقاله مرة أخرى بعد أشهر قليلة من خروجه من السجن مع أكثر من 1500 من قادة العمل العام في مصر، ولم يفرج عنهم إلا بعد رحيل الرئيس السادات.

لم تأسره تجربة الحياة وراء القضبان في سجن المرارة، ففي السجن زرع شجرة، وكتب أهم كتاب له “عبد الناصر والثورة الأفريقية” على أوراق “البفرة” وحافظ على اتجاه يوصلته للمستقبل، ولم يكن صدفة أن تحمل دار النشر التي أسسها في أول سنوات الحرية اسم “دار المستقبل العربي” في العام 1981، وتابع من خلالها نضاله من أجل الدعوة للحرية والديموقراطية والتضامن العربي، ولم تكن صدفة أن يشارك في تأسيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في العام 1983 التي انتخب في هيئتها القيادية وحمل مسئوليته أمانتها العامة في العام 1986.

ويشغل الأستاذ محمد فائق إلى جانب موقعه كأمين عام للمنظمة، رئاسة لجنة الحقوق المدنية والسياسية بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، ومنسق الشبكة الإقليمية لدواوين المظالم (مكاتب الأمبودزمان) في العالم العربي، وعضوية المنتدى الدولي لمنظمات المجتمع المدني (UBUNTU) وعضوية مجلس إدارة صندوق المساعدة القانونية للأسرى والمعتقلين في سجون إسرائيل.

وعندما يتخلى محمد فائق عن موقعه كأمين عام للمنظمة، سوف تفتقد المنظمة قائدا حكيماً قاد سفينتها بحكمة وسط أنواء السياسة العربية، وتمثل مبادئها بروح معاناة الضحايا كما بإصرار المدافعين عن حقوق الإنسان، ولكن لأننا نعرف محمد فائق فإننا على يقين من أن المنظمة سوف تكسب مقاتلا شجاعاً، تجرد من أعباء الإدارة وقيود التوافقات التنظيمية، وأنه سوف يواصل عطاءه للمنظمة ولن يبخل عليها بخبرته العميقة وتجربته الثرية.

وتبقى كلمة مودة فخلف هذا التاريخ النضالي الحافل لمحمد فائق يكمن إنسان مسكون بروح الود، يملك موهبة المصالحة مع الذات والغير، يشغفه حب الابتكار والإتقان، أحب الناس فأحبه الناس.

*  *   *


(*) تمت إضافة هذه النبذة على غير رغبة الأستاذ محمد فائق الأمين العام للمنظمة الذي رأى أن تكريم الرواد إنما هو تكريمه شخصياً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى