جيل الرواد

منصور الكيخيـا

منصور الكيخيـا

 (اختفى في القاهرة يوم 12 ديسمبر/كانون أول 1993) 

منصور الكيخيا سياسي ليبي نابه. درس القانون في جامعات القاهرة وباريس وجنيف وعمل في السلك الدبلوماسي في الخارجية الليبية في الفترة من 1957-1980 وشغل خلالها منصب وزير الخارجية(1972-1973)، ثم عمل ممثلاً دائماً لبلاده لدى الأمم المتحدة، لكنه قدم استقالته في يوليو/تموز1980، واحتج علنا على قتل وتعذيب عدد من الليبيين في ليبيا والخارج.

          لم يكن موقفه من الاحتجاج على القتل والتعذيب موقفاً عابراً، فقد كان مسكوناً بإيمان عميق بقيم حقوق الإنسان والحريات العامة، وساهم في تأسيس اثنتين من منظمات حقوق الإنسان العربية وهما: المنظمة العربية لحقوق الإنسان في العام 1983، والتي ظل يشغل عضوية مجلس أمنائها حتى اختفائه في العام 1993، والرابطة الليبية لحقوق الإنسان، والتي شغل عضوية لجنتها التنفيذية، كما انخرط في عضوية عدد من المنظمات الحقوقية العربية والدولية ومنها لجنة المحامين من أجل حقوق الإنسان، واتحاد المحامين العرب، واتحاد الحقوقيين العرب، وظل يمثل الأخيرة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، ولدى اليونسكو في باريس حتى اختفائه.

          اشترك الكيخيا في جهود المعارضة الليبية لتوحيد صفوفها في الخارج عام 1987 لكن تلك الجهود لم تصادف النجاح، وأسفرت المحاولة عن اتفاق بعض الفصائل على قيام “التحالف الوطني الليبي” بزعامة الكيخيا نفسه حيث تولى منصب أمين عام التحالف حتى اختفائه.

          وخلال نشاطه في المعارضة عُرف الكيخيا بموقفه الرافض لاحتواء المعارضة في الخارج من طرف أي جهة أجنبية، كما عُرف عنه موقفه الرافض للعنف. والتزم نهجا “غانديا” في أسلوبه، و”مانديليا” في رؤيته، على حد ما وصفه أحد أصدقائه، فالتزم بمفردات حقوق الإنسان، وبأولويات قائمة المطالب السياسية العربية التي رفعها الشارع العربي.

كان يؤمن بأن الصراع السلمي قادر على تعزيز الوعي الجماهيري بمفردات حقوق الإنسان. ومن هذا المنطلق أبدى استعداده للحوار مع النظام، والتقى وبعض عناصره، بل وكانت لديه دعوة لمقابلة عناصر من النظام قبيل وأثناء وجوده بالقاهرة لحضور اجتماع الجمعية العمومية للمنظمة، لكنه كان دائم التوجس من أن يستخدم هذا الحوار في استدراج عناصر من المعارضة للداخل دون ضمانات كافية، بعد تجربة مريرة ومهينة تعرض لها بعض أقرانه المعارضين.

          في أعقاب اجتماعات الجمعية العمومية، مد الأستاذ الكيخيا إقامته في القاهرة لبضعة أيام وفى ليلة الحادي عشر من ديسمبر/كانون أول 1993، أبلغ ذووه المنظمة العربية لحقوق الإنسان عن تغيبه عن لقاء عائلي أثار قلقهم. ومنذ ذلك الوقت اختفى الكيخيا حتى هذه اللحظة.. ولم تفلح كل الجهود التي بذلت محلياً وإقليمياً ودولياً في إجلاء مصيره.

          أين ولماذا وكيف؟ وعشرات الأسئلة الأخرى ظلت تتراكم منذ الاختفاء المفاجئ لمنصور الكيخيا دون جدوى.

          ركزت آلاف الأوراق التي تحدثت عن منصور الكيخيا منذ اختفائه على الجريمة التي تعرض لها، وعلى تحليل أهدافها وأبعادها ودلالاتها. تكلمت عن الجناة والشهود والأمن والغدر. لكن قليلاً منها تحدث عن منصور الإنسان.. عن الزوج والأب والصديق. وحدها بها العمرى زوجته المناضلة ظلت تذكرنا بأن منصور ليس فقط قضية ولكنه إنسان “يفتقده ابن صغير جداً على الحزن العميق والدموع، وإبنة تشتاق إلى خد أبيها الخشنة تداعب وجهها”.

          في وداعه، كتب الشاعر العراقي الراحل في منفاه بلند الحيدرى يقول: تحية لعابر.. بالأمس مر من هنا.. أبقى لنا شيئا ومر من هنا.

*   *   *

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى